كلما أغلقت الصحف أعمدتها أمام أنباء المقاومة

..ونزل الستار على أفلام المقاومة!

المطلوب مخرج يقدم لنا الآن فيلم "زد" الفلسطيني !

نلاحظ هذه الأيام تراجعاً واضحاً من الكتاب الذين زعموا قبل شهور على الأقل أنهم مع الثورة الفلسطينية..

فمعظم الأفلام الرخيصة التي كتبت عن ذكرياتها ورحلاتها مع المقاومة عبر خطوط النار وفي الكهوف السرية... هذه الأفلام تراجعت في لحظة واحدة، لحظة الإعلان عن مشروع لقتل الفلسطينيين ... هؤلاء الكتاب لم تكن المقاومة بالنسبة لهم سوى حفلة قدوم مولود جديد رحبوا به بمقالات وخطب بمناسبة عابرة ( حفلة ظهور المقاومة) والطبيعي أن الجماهير العربية غير مدعوة لهذه الحفلة.. ولا مانع لدى هولاء أن يحتفلوا هذه الأيام بحفلة روجرز... هؤلاء الكتاب من مؤرخين ونقاد لأدب المقاومة ومخرجين وممثلين ومؤلفين سينمائيين لحظة المقاومة... لم يكونوا سوى بطانة سيئة للاعلام العربي أو أقل سماسرة في سوق ينادون على بضاعة رائجة وبعد نفاذ البضاعة يقفون على الرصيف الأخر منتظرين بضاعة جديدة يتاجرون بها.

وإذا كانت المأساة قد تركزت بشكل فاضح واضح في مجال نقد أدب الأرض المحتلة بالطرق التجارية والمساندة الإعلامية للمقاومة بالطرق التجارية الخاضعة لقوانين العرض والطلب على طريقة مسرح ( البردوي ).. فإن الطامة الكبرى تتمثل في هذا السيل من الأفلام التي تزعم _ كذباً _ أنها في خدمة القضية والمقاومة، ويزعمون أنهم يسيرون مع الثورة ولكنهم في الحقيقة لم يلتحموا بها ولم يروها: أنهم يكتبون للسينما من خلال قراءاتهم للجرائد اليومية التي خانت القضية والمقاومة في هذه الأيام وراحت تمجد قتل الفلسطينيين وإنهاء الثورة العربية بالطرق السلمية حتى أصبح كل من هب ودب يكتب للسينما عن المقاومة وهو ينام على فراش وفير في حمراء بيروت أو زمالك القاهرة.

الأستاذ أمين يوسف غراب_ غفر الله خطاياه الكثيرة ! _ لا يكتفي بإفساد حيل كامل من الشباب بقصصه السينمائية عن شقة الجيزة الشهيرة وعن لعبة الحب وعن الكتابة للمراهقين وأفساد نزعاتهم التي يفترض أن يساهم في تفتيتها... لا يكتفي بهذه الحماقات وهذه الذنوب وأنما يكتب فيلماً عن المقاومة.. وهكذا.

ترى أفلاماً تملاء الأسواق حديثاً عن المقاومة ( الفدائي وكأنه شمشون الجبار ... الفدائي ملاك ك يقاتل مع جيش المسلمين ضد الكفار... الفدائي لم يعد إنساناً... أنه مارد يخرج من قمم سليمان عابراً القارات محطماً المدن تحت قدميه... الفدائي يقتل مئة اسرائيلي بقنبلة يدوية )... ثم خرجوا من المصيبة التي دفعنا ثمنها لنرى اسرائيل تنتهي على الشاشة في لحظتين والفدائيين ينصبون شارات الفرح فوق تل أبيب ويافا والقدس، وإذا بعلامة النهاية تكبب على الشاشة، وتنفض الجماهير باحث عن ذلك الفدائي لتهنئته على انتصاره العظيم جدا، السهل جدا، الرومانسي حدا ولكن الجماهير تفاجأ بجنازة واقعية في ساحة الجامع الحسيني بعمان ... جنازة شهيد جديد..

وتصرخ الجماهير: ألم ننتصر على الشاشة قبل قليل؟ ولكن صوت الرصاص في عمان يقول لها: مازل الدرب طويلا ...

وتصاب الجماهير بخيبة أمل... نعم لأن الفيلم كان بمثابة أحلام اليقظة المراهقة التي بنت لهم قصوراً وجنات وانتصارات غير مبررة وعندما واجهوا الواقع أحسو بالفرق بين الواقع و أحلام اليقظة فاصيبوا باليأس وهذا يساهم الفيلم العربي في تشويه نفسية الأنسان العربي... وهكذا يزيفون الواقع ويجعلونه حلماً ويزيفون الحلم ويجعلونه واقعاً ...أن النموذجين يشوهان الطريق الصحيح.

أعزائي المخرجين والمنتجين والممثلين العرب: لقد بعتم أنفسكم بالنقود الرخيصة حين وافقتم بالماضي _ على أخراج وتمثيل عشىرات الأفلام الرخيصة التي شوهت مجتمعنا فساهمتم مساهمة فعالة في تضليل جماهيركم من أجل شباك التذاكر... وقد ظهرنا نحن الجماهير وكأننا أبطال برجوازيون.. كلنا يمتلك الأمكانات للذهاب إلى صيف جبال لبنان وبلاجات الاسكندرية... كلنا يمتلك العمارات الضخمة ويستطيع السفر إلى الخارج كلنا يحب الفتاة بكل حرية وكأننا في باريس ... لم أكن أصدق أن مجتمعنا بهذا المستوى من (الفنتازيا) إلا في أفلامكم كأنكم لم تروا عذاب الفلاحين والعمال النائمين على الأرصفة، (وهنا يصرخ مخرج مشهور في وجهي: أنا أخرجت فيلماً وصورت قذاراتهم ورداءة عيشهم ويصيح ممثل مشهور: أنا مثلت شخصية رجل كادح لا يمتلك قوت يومه)

أيها السادة: ولكنكم لم تكتبوا ولم تخرجوا بل صورتم ومثلتم وأنتم تشربون الويسكي في القاعة المجاورة... لقد شاهدت تصويراً لمجموعة من الفلاحين في أحد الأماكن الراقية على أنها مأخوذة من مكان في الريف وكان (( الفلاحون الغلابا)) قد قدموا لقاعة التصوير وهم يتعاركون على الجلوس في المقدمة.. ومرة تحدثت السيدة شريفة فاضل _ أطال الله بقاءها_ أنني أظهر في الأفلام الشعبية فقط ولقد غنيت للسقائين والنجارين (( حارة السقابين _ حبيبي نجار) وكأنها ساهمت بذكرها لاسمائهم في تطوير نفسيتهم وأحوالهم وكأنها التحمت بهؤلاء (( الغلابا )) !

هذا ما فعلته في الماضي، أما مساهماتكم في تطوير الفيلم العربي فهي:

1_ استبدال فريد شوقي الذي يقتل عشرة بضربة واحدة من يده ... بفدائي يصرع عشرين إسرائيلياً بقنبلة يدوية !

2_ بدلاً من السباحة في نهر النيل هناك

السباحة في نهر الأردن على طريقة المقاومة.

3_ بدلاً من العمارات الفخمة والبلاجات الجميلة في القاهرة وبيروت ... هناك كهوف في الأغوار ومنحدرات رائعة للجبال .. في شاطئ الإسكندرية رمل أصفر ناعم وعند المنحدرات رمل أبيض.

4_ بدل من المايوه البكيني ... هناك البدلة المموهة الخضراء.

5_ بدلاً من خرطوشة الصيد التي يحملها البرجوازيون في الحدائق لاصطياد العصافير هناك بنادق لامعة يحملها رجال في حدائق الموت على شاطئ النهر.

...... هناك اضافات كثيرة أيها السادة أعجز عن تعدادها ...... ولكن ؟؟؟

هناك قرية عربية اسمها ( كفر قاسم) أرجو أن تكونوا قد سمعتم بها ... قرية ذبح العشرات من أهلها دون تمثيل وتحتاج إلى مخرج ممتاز ليخرج لنا فيلماً عن هذه المذبحة... فقط تحتاج إلى قلوب صافية وعقول نظيفة وفهم والتحام بالناس... ما رأيكم؟ (( السيناريو جاهز))... أنكم لن تصدقوا هذا بالطبع ولكن هذا هو الصحيح أن السيناريو موجود منذ سنوات، وربما قرأه العشرات منكم ولكنكم آثرتم السلامة والطراوة في قصص السباعي والأستاذ أمين يوسف غراب... هناك شقق مفروشة ونساء عاريات.... كما تشاءون... (( السيناريو)) مسجل في كتاب محام فلسطيني اسمه "صبري جريس" عسى أن تكونوا قد عرفتموه وكتابه اسمه (العرب في اسرائيل)... وهذا السيناريو هو عبارة عن التسجيل الحرفي الأمين للمحاكمات التي جرت في أعقاب مجزرة كفر قاسم.. هناك قرية، وهناك محكمة، وهناك نساء، ولكن الدم ينزف من أجسادهن الممزقة الثياب،.. هناك ضباط إسرائيليون موجودون بصورهم الواقعية... هناك محاكمات وتواريخها مكتوبة تحتها بنفس ألفاظ ممثليها.. هناك موت حقيقي... الذين كتبوا السيناريو كتبوه بالدم... عندما يموت الممثل على الشاشة يموت في الواقع... ميديا تقتل أطفالها على الشاشة ويموتون على المستوى الواقعي... ليس للممثل وجهان... له وجه واحد وروح واحدة فإذا مات في كفر قاسم فإنه يموت فعلاً،.... ما عليكم إلا تنظيف عقولكم وتصفية قلولكم... وأن تأخذوا الأمر بجدية وليس مجرد مناسبة عابرة كحفلة توديع أو استقبال شخص مهم أو جديد.

أرجو لكم التوفيق إذا نظفتم عقولكم وأنا أنتظر ما جماهيرنا الفيلم الأول المقاوم الذي سيخرجه أكبر مخرج في تاريخ السينما العربية...

لقد تحدثتم كثيراً عن فيلم ( زد ) ، وقصة ( زد )، وسيناريو ( زد )، وإخراج ( زد ) ....

ومع ذلك فقصة ( كفر قاسم )، كما تشرحها وقائع المحاكمات هي في حد ذاتها قصة وفيلم وسيناريو وإخراج....

إنها تحتاج فقط إلى فنان يعرف ما الذي يحدث!

المصدر: مجلة الهدف / ١٩٧١